فصل: 173- باب (ما جاء) من أحقّ بالإمامة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


الجزء الثاني

162- باب مَا جَاءَ فِي الرّجُلِ يُصَلّي وَحْدَهُ ثمّ يُدْرِكُ الْجَمَاعَة

218- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ حَدّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاء حَدّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْن الأسْوَدِ ‏(‏الْعَامِرِيّ‏)‏ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ ‏"‏شَهِدْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم حجّتَهُ، فَصَلّيْتُ مَعَهُ صَلاَةَ الصّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، ‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ فَلَمّا قَضَى صَلاَتَهُ وَانْحَرَفَ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلّيَا مَعَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏عَلَيّ بهِمَا‏"‏، فَجِيءَ بِهمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏مَا مَنَعَكُمَا أنْ تُصَلّيَا مَعَنَا‏"‏‏؟‏ فَقَالاَ‏:‏ يَا رَسُولَ الله إنّا كُنّا قَدْ صَلّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ‏:‏ ‏"‏فَلاَ تَفْعَلاَ‏"‏‏.‏ إذَا صَلّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلّيا مَعَهُمْ، فَإِنّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ‏"‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وفي الباب عن مِحْجَنٍ ‏(‏الدّيلي‏)‏، ويزيدَ بن عَامِرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ يَزِيدَ بنِ اْلأَسْوَدِ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وهو قولُ غير واحد من أهل العلم‏.‏

وبه يقولُ سفيانُ الثوريّ والشافعيّ وأَحمدُ وإسحَقُ‏.‏

قَالُوا‏:‏ إِذَا صَلّى الرّجُلُ وَحْدَهُ ثُمّ أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ فَإِنّهُ يُعِيدُ الصلواتِ كلّهَا في الجَمَاعَةِ، وَإِذَا صَلّى الرّجُلُ المَغْرِبَ وَحدَهُ ثمّ أدْرَكَ الجَمَاعَةَ، قَالُوا‏.‏ فَإِنّهُ يُصلّيهَا معهم ويَشْفَعُ بِرَكعَةٍ، والتي صَلّى وحدَه هي المكتوبة عندَهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا يعلى بن عطاء‏)‏ العامري ويقال الليثي الطائفي ثقة من الرابعة ‏(‏نا جابر ابن يزيد بن الأسود‏)‏ السوائي ويقال الخزاعي صدوق من الثالثة ولأبيه صحبة كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهدت‏)‏ أي حضرت ‏(‏حجته‏)‏ أي حجة الوداع ‏(‏في مسجد الخيف‏)‏ هو مسجد مشهور بمنى قال الطيبي الخيف ما انهدر من غليظ الجبل وارتفع عن المسيل، يعني هذا وجه تسميته به ‏(‏فلما قضى صلاته‏)‏ أي أداها وسلم منها ‏(‏انحرف‏)‏ قال القاري أي انصرف عنها‏.‏ قلت والظاهر أن المعنى انحرف عن القبلة، وقال ابن حجر أي جعل يمينه للمأمومين ويساره للقبلة ما هو السنة ‏(‏فإذا هو‏)‏ أي النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏على‏)‏ اسم فعل ‏(‏بهما‏)‏ أي أئتوني بهما وأحضروهما عندي ‏(‏ترعد‏)‏ بالبناء للمجهول أي تحرك من أرعد الرجل إذا أخذته الرعدة وهي الفزع والاضطراب ‏(‏فرائصهما‏)‏ جمع الفريصة وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها وهي ترجف عند الخوف أي تتحرك وتضطرب، والمعنى يخافان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏في رحالنا‏)‏ أي في منازلنا ‏"‏فلا تفعلا‏"‏ أي كذلك ثانياً ‏"‏فصليا معهم‏"‏ أي مع العلم ‏"‏فإنها لكما نافلة‏"‏ فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة نافلة وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى لأن في ترك الاستفصال مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، قال ابن عبد البر قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته، وأما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى، قلت أو كثرت ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفى فساده، قال ومن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم‏.‏ ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا تصلى صلاة في يوم مرتين انتهى، وذهب الأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي وهو قول الشافعي القديم إلى أن الفريضة هي الثانية إذا كانت الأولى فرادى، واستدلوا بما أخرجه أبو داود عن يزيد بن عامر قال جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه جالساً فقال ألم تسلم يا يزيد قال بلى يا رسول الله قد سلمت قال فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم قال إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم، فقال إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة، ولكنه قد ضعفه النووي وقال البيهقي إن حديث يزيد بن الأسود يعني حديث الباب أثبت منه وأولى، ورواه الدارقطني بلفظ ويجعل التي صلى في بيته نافلة، وقال هي رواية ضعيفة شاذة انتهى، وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة وحمل هذا على من صلى منفرداً كما هو الظاهر من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث ابن عمر عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بلفظ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين على فرض شموله لإعادة الفريضة من غير فرق بين أن تكون الإعادة بنية الافتراض أو التطوع‏.‏ وأما إذا كان النهي مختصاً بإعادة الفريضة بنية الافتراض فقط فلا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث الباب كذا في النيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن محجن‏)‏ بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم صحابي قليل الحديث‏.‏ وأخرج حديثه مالك في الموطأ بلفظ أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ورجع ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم فقال بلى يا رسول الله ولكن كنت قد صليت في أهلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جئت المسجد وكنت قد صليت فأقيمت الصلاة فصل مع الناس وإن كنت قد صليت، ورواه أيضاً النسائي وابن حبان والحاكم ‏(‏ويزيد بن عامر‏)‏ أخرج حديثه أبو داود وتقدم لفظه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه وأخرجه أيضاً الدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن، قال الحافظ في التلخيص‏:‏ كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه وقال الشافعي في القديم إسناده مجهول‏.‏ قال البيهقي لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى، قال الحافظ يعلى من رجال مسلم وجابر ثقة وثقه النسائي وغيره وقد وجدنا لجابر بن يزيد راو غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق بقية عن إبراهيم بن ذي حماية عن عبد الملك بن عمير عن جابر انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنه يعيد الصلوات كلها في الجماعة‏)‏ أي الصلوات الخمس كلها في الجماعة، بعموم أحاديث الباب وللتصريح في حديث يزيد بن الأسود بأن قوله صلى الله عليه وسلم إذا صليتما في رحالكما إلخ كان في صلاة الصبح، وقال أبو حنيفة لا يعيد الصبح ولا العصر ولا المغرب لكراهية التطوع بعد صلاة الصبح والعصر ولعدم مشروعية التطوع وتراً‏.‏ قلت حديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة ولو كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح وإلى ذلك ذهب الشافعي فيكون هذا مخصصاً لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق ما ساواه من أوقات الكراهة، وظاهر التقييد بقوله صلى الله عليه وسلم ثم أتيتما مسجد جماعة أن ذلك مختص بالجماعات التي تقام في المساجد لا التي تقام في غيرها فيحمل المطلق من ألفاظ الحديث على المقيد بمسجد الجماعة قاله الشوكاني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويشفع بركعة‏)‏ روى ابن أبي شيبة عن علي قال إذا أعاد المغرب شفع بركعة ‏(‏والتي صلى وحده هي المكتوبة عندهم‏)‏ واستدلوا عليه بحديث يزيد بن أسود المذكور في الباب، وكذلك وقع في حديث أبي ذر وغيره في آخر الحديث حيث قال ولتجعلها نافلة كذا في التلخيص، قلت وهذا القول هو الراجح وأما قول من قال بأن الفريضة هي الثانية فلم يقم عليه دليل صحيح كما قد عرفت‏.‏

163- باب ما جاء في الجماعة في مسجدٍ قد صُلّيَ فيه مَرّة

219- حدثنا هَنّادٌ حدثنا عَبْدَةُ عن سَعِيدِ بن أبي عَرُوبَةَ عن سليمان النّاجِيّ ‏(‏البصري‏)‏ عن أبي المُتَوَكّلِ عن أَبي سعيدٍ قال‏:‏ جاء رجلٌ وقد صَلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏أَيّكُمْ يَتّجِرُ على هَذَا‏؟‏ فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلّى مَعَهُ‏"‏‏.‏

‏(‏قالَ‏)‏‏:‏ وفي البابِ عَنْ أبي أُمَامَةَ، وَأَبي مُوسَى، والْحَكَمِ ابْنِ عُمَيْرٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ ‏(‏و‏)‏ حَدِيثُ أبي سَعيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ‏.‏

وهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ مِنْ التّابِعِينَ‏.‏

قَالُوا‏:‏ لاَ بَأْسَ أنْ يُصَلّيَ الْقَوْمُ جَمَاعَةً فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلّيَ فِيهِ جَمَاعة‏.‏

وَبهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَقُ‏.‏

وَقَال آخَرُونَ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ‏:‏ يُصَلّونَ فُرَادَى‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَمَالِكٌ، وَالشّافِعِيّ‏:‏ يَخْتَارُونَ الصّلاَةَ فُرَادَى‏.‏

‏(‏وَسُلَيْمانُ النّاجِيّ بَصْرِيّ، وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏سُلَيْمانُ بْنُ الأَسْوَدِ‏"‏‏)‏‏.‏

‏(‏وَأَبُو المُتَوَكّلِ اسْمُهُ ‏"‏عَلِيّ بْنُ دَاوُدَ‏"‏‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا عبدة‏)‏ بإسكان الباء هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي روى عن هشام بن عروة والأعمش وطائفة وعنه أحمد وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق، وثقه أحمد بن سعد والعجلي، قال أحمد‏:‏ مات سنة 187 سبع وثمانين ومائة ‏(‏عن سعيد بن أبي عروبة‏)‏ ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة كذا في التقريب، قلت قد تابعه وهيب عن سليمان الناجي في رواية أبي داود فلا يضر تدليسه واختلاطه في هذا الحديث ‏(‏عن سليمان الناجي‏)‏ بالنون والجيم ويقال له سليمان الأسود أيضاً وكذلك وقع في رواية أبي داود وثقه ابن معين ‏(‏أيكم تيجر‏)‏ بشدة التاء من أتجر يتجر إتجاراً من باب الإفتعال، قال ابن الأثير في النهاية في باب التاء مع الجيم وفيه من يتجر على هذا فيصلي معه هكذا يرويه بعضهم، وهو يفتعل من التجارة لأنه يشتري بعمله الثواب ولا يكون من الأجر على هذه الرواية لأن الهمزة لا تدغم في التاء فإنما يقال فيه يأتجر، وقال في باب الهمزة مع الجيم في حديث الأضاحي كلوا وادخروا وأتجروا أي تصدقوا طالبين الأجر بذلك، ولا يجوز فيه اتجروا بالإدغام لأن الهمزة لا تدغم في التاء وإنما هو من الأجر لا التجارة، وقد أجازه الهروي في كتابه، واستشهد عليه بقوله في الحديث الاَخر أن رجلاً دخل المسجد وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته فقال من يتجر فيقوم فيصلي معه، والرواية إنما هي يأتجر وإن صح فيها يتجر فيكون من التجارة لا الأجر كأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة أي مكسباً انتهى كلام ابن الأثير‏.‏

قلت‏:‏ في قولهم الهمزة لا تدغم في التاء تأمل، فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واتخذ الله إبراهيم خليلاً‏}‏ وقالت عائشة وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض، رواه الشيخان ففي اتخذ واتزر قد أدغمت في التاء، وأما إنكار النحاة الإدغام في قول عائشة فأتزر فلا وجه له مع صحة روايتها بالإدغام- قال القاري في المرقاة قال في المفصل‏:‏ قول من قال فأتزر خطأ خطأ، وقال الكرماني فأتزر في قول عائشة وهي من فصحاء العرب حجة فالمخطئ مخطئ انتهى، وقد تقدم بعض ما يتعلق بهذا في باب مباشرة الحائض فتذكر‏.‏ فمعنى قوله أيكم يتجر على هذا أيكم يتصدق على هذا طالبا الأجر بذلك، وقد وقع في رواية أبي داود ألا رجل يتصدق على هذا، قال المظهري سماه صدقة لأنه يتصدق عليه بثواب ست وعشرين درجة إذ لو صلى منفرداً لم يحصل له إلا ثواب صلاة واحدة انتهى ‏(‏فقام رجل‏)‏ هو أبو بكر الصديق قال الزيلعي في نصب الراية وفي رواية البيهقي أن الذي قام فصلى معه أبو بكر رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي أمامة وأبي موسى والحكم بن عمير‏)‏ أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والطبراني بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذان جماعة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد‏:‏ له طرق كلها ضعيفة انتهى وأما حديث أبي موسى وحديث الحكم بن عمير فلم أقف على من أخرجهما‏.‏ وفي الباب عن أنس أن رجلاً جاء وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام يصلي وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتجر على هذا فيصلي معه، أخرجه الدارقطني قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية إسناده جيد وكذا قال الحافظ بن حجر في الدراية‏.‏ وفي الباب أيضاً عن سلمان أن رجلاً دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه، وفيه محمد بن عبد الملك أبو جابر قال أبو حاتم أدركته وليس بالقوي في الحديث، ورواه البزار وفيه الحسين بن الحسن الأشقر وهو ضعيف جداً وقد وثقه ابن حبان كذا في مجمع الزوائد، وفي الباب أيضاً عن عصمة ذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية والهيثمي وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي سعيد حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأخرجه أيضاً ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين‏)‏ وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه قال ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود وإسناده صحيح، وهو قول أنس بن مالك رضي الله عنه، قال البخاري في صحيحه وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة انتهى، قال الحافظ في الفتح وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان‏.‏ قال مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة فذكر نحوه، قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر رجلاً فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال في مسجد بني رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ قال العيني في شرح البخاري ص 690 وهو قول عطاء والحسن في رواية وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب عملا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ الحديث انتهى، وهذا القول هو الحق ودليله أحاديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال آخرون من أهل العلم يصلون فرادى وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعي يختارون الصلاة فرادى‏)‏ واستدل لهم بحديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات انتهى‏.‏

وأجيب عنه بوجوه منها‏:‏ أن هذا الحديث لا يعلم حاله كيف هو صحيح قابل للاحتجاج أم لا، وأما قول الهيثمي رجاله ثقات فلا يدل على صحته لاحتمال أن يكون فيهم مدلس ورواه بالعنعنة أو يكون فيهم مختلط ورواه عنه صاحبه بعد اختلاطه أو يكون فيهم من لم يدرك من رواه عنه أو يكون فيه علة أو شذوذ، قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية في الكلام على بعض روايات الجهر بالبسملة لا يلزم من ثقة الرجال صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ والعلة، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص في الكلام على بعض روايات حديث بيع العينة لا يلزم من كون رجال الحديث ثقات أن يكون صحيحاً انتهى، هذا بعد تسليم أن رجال هذا الحديث ثقات على ما قال الحافظ الهيثمي، لكن قال صاحب العرف الشذي‏:‏ إن في سنده معاوية بن يحيى وهو متكلم فيه ولفظه هكذا ولقد صنف مولانا الكنكوهي رسالة في مسألة الباب وأتى فيه بحديث أنه عليه السلام دخل المسجد وقد صلى فيه فذهب إلى بيته وجمع أهله وصلى بالجماعة، ولو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك فضل المسجد النبوي، أخرجه في معجم الطبراني‏.‏ في الأوسط والكبير، وقال الحافظ نور الدين الهيثمي إن رجال السند ثقات محسنة، وأقول إن في سنده معاوية بن يحيى من رجال التهذيب متكلم فيه انتهى كلامه بلفظه، قلت الأمر كما قال صاحب العرف الشذي، لا شك في إن في سنده معاوية بن يحيى أبا مطيع الأطرابلسي وهو متكلم فيه، وذكر الحافظ الذهبي في الميزان أحاديثه المناكير وذكر فيها حديث أبي بكرة هذا أيضاً حيث قال فيه الوليد بن مسلم عن معاوية أبي مطيع عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من بعض نواحي المدينة يريد الصلاة فوجدهم قد صلوا فانصرف إلى منزله فجمع أهله ثم صلى بهم، وأما رسالة الشيخ الكنكوهي فقد صنف علمائنا في الرد عليها رسالة حسنة جيدة وأجاب عن ما استدل به الشيخ الكنكوهي جواباً شافياً‏.‏

ومنها أن الحديث ليس بنص على أنه صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم في منزله بل يحتمل أن يكون صلى بهم في المسجد، وكان ميله إلى منزله لجمع أهله لا للصلاة فيه، وحينئذ يكون هذا الحديث دليلا لاستحباب الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة لا لكراهتها فما لم يدفع هذا الاحتمال كيف يصح الاستدلال‏.‏ ومنها‏:‏ أنه لو سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأهله في منزله لا يثبت منه كراهة تكرار الجماعة في المسجد، بل غاية ما يثبت منه أنه لو جاء رجل في مسجد قد صلى فيه فيجوز له أن لا يصلي فيه بل يخرج منه فيميل إلى منزله فيصلي بأهله فيه‏.‏ وأما أنه لا يجوز له أن يصلي في ذلك المسجد بالجماعة أو يكره له ذلك فلا دلالة للحديث عليه البتة كما لا يدل الحديث على كراهة أن يصلي فيه منفرداً‏.‏

ومنها‏:‏ أنه لو ثبت من هذا الحديث كراهة تكرار الجماعة لأجل أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في المسجد لثبت منه كراهة الصلاة فرادى أيضاً في مسجد قد صلى فيه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في المسجد لا منفرداً ولا بالجماعة‏.‏ والحاصل‏:‏ أن الاستدلال بحديث أبي بكرة المذكور على كراهة تكرار الجماعة في المسجد واستحباب الصلاة فرادى ليس بصحيح‏.‏ ولم أجد حديثاً مرفوعاً صحيحاً يدل على هذا المطلوب‏.‏ وأما قول الشيخ الكنكوهي لو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك فضل المسجد النبوي‏.‏ ففيه أنه يلزم من هذا التقرير كراهة الصلاة فرادى أيضاً في مسجد قد صلى فيه بالجماعة، فإنه يقال لو كانت الصلاة فرادى جائزة بلا كراهة في مسجد قد صلى فيه بالجماعة لما ترك فضل المسجد النبوي فتفكر‏.‏

تنبيه‏:‏

إعلم أن الفقهاء الحنفية يذكرون في كتبهم أثراً عن أنس بن مالك يستدلون به أيضاً على كراهة تكرار الجماعة في المسجد، قال الشامي في رد المختار وروى عن أنس بن مالك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة صلوا فرادى انتهى‏.‏ قلت‏:‏ لم يثبت هذا عن أنس بن مالك في كتب الحديث البتة، بل ثبت عنه خلافه، قال البخاري في صحيحه وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة وقد تقدم ذكر من أخرجه موصولاً، نعم أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال كان أصحاب محمد إذا دخلوا في مسجد قد صلى فيه صلوا فرادى انتهى، لكن قد صرح الحسن بأن صلاتهم فرادى إنما كانت لخوف السلطان‏.‏ قال ابن أبي شيبة في مصنفه‏.‏ حدثنا هشيم أنا منصور عن الحسن، قال إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي ما لفظه‏:‏ واقعة الباب ليس حجة علينا فإن المختلف فيه إذا كان الإمام والمقتدي مفترضين، وفي حديث الباب كان المقتدي متنفلاً انتهى‏.‏ قلت‏:‏ إذا ثبت من حديث الباب حصول إثبات الجماعة بمفترض ومتنفل فحصول ثوابها بمفترضين بالأولى‏.‏ ومن ادعى الفرق فعليه بيان الدليل الصحيح‏.‏ على أنه لم يثبت عدم جواز تكرار الجماعة أصلاً لا بمفترضين ولا بمفترض ومتنفل‏.‏ فللقول بجواز تكرارها بمفترض ومتنقل وعدم جواز تكرارها بمفترضين مما لا يصغي إليه‏.‏ كيف وقد تقدم أن أنساً جاء في نحو عشرين من فتيانه إلى مسجد قد صلى فيه فصلى بهم جماعة‏.‏ وظاهر أنه وفتيانه كلهم كانوا مفترضين، وكذلك جاء ابن مسعود إلى مسجد قد صلى فيه فجمع بعلقمة ومسروق والأسود‏.‏ وظاهر أنه وهؤلاء الثلاثة كلهم كانوا مفترضين فتفكر‏.‏

164- باب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْعِشاءِ وَالْفَجْرِ فِي الجَمَاعَة

220- حدثنا محمودُ بْنُ غَيْلاَنَ حَدّثَنَا بِشْرُ بْنُ السريّ حَدّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُثْمانَ بْنِ حَكيمٍ عَنْ عبدِ الرّحْمَنِ بْنِ أبي عَمْرَةَ عَنْ عُثْمانَ بنِ عَفّانَ قَالَ‏:‏ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ شَهِدَ الْعِشَاء فِي جَمَاعةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلّى العِشَاء والفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ‏"‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وفي البابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَعُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ، وَجُنْدُبِ ‏(‏بْنِ عَبْدِ الله بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيّ‏)‏، وَأُبَيّ ‏(‏بن كَعْبٍ‏)‏ وَأَبي مُوسَى، وَبُرَيْدَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ عُثْمانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بن أبي عَمْرَةَ عنْ عُثْمانَ مَوْقُوفاً وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُثْمانَ مَرْفوعاً‏.‏

221- حدثنا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَرُونَ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبي هِنْدٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ صَلّى الصّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمّةِ الله، فَلاَ تُخْفِرُوا الله فِي ذِمّتِهِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏:‏ حَديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏)‏‏.‏

222- حدثنا عَبّاسٌ الْعَنْبَرِيّ حدثنا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أبُو غَسّانَ الْعَنْبَرِيّ عَنْ إِسْماعِيلَ الكَحّال عَنْ عَبْدِ الله بْن أوْسٍ الْخُزَاعِيّ عَنْ بُرَيْدَةَ الأسْلَمِيّ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏بَشّرِ الْمَشّائِينَ فِي الظّلَم إلَى الْمَسَاجِدِ بِالنّورِ التّامّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ هذا حديثٌ غَرِيبٌ ‏(‏مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏)‏ ‏(‏مَرْفُوعٌ، هُوَ صَحِيحٌ مُسْنَدٌ وَمَوْقُوفٌ إلَى أصْحَابِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُسْنَدْ إلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا بشر بن السري‏)‏ الأفوه‏.‏ بصري سكن مكة وكان واعظاً ثقة متقناً طعن فيه برأى جهم ثم اعتذر وتاب، روى عن الثوري وغيره ‏(‏حدثنا سفيان‏)‏ هو الثوري ‏(‏عن عثمان بن الحكيم‏)‏ بن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفي ثقة ‏(‏عن عبد عبد الرحمن بن أبي عمرة‏)‏ الأنصاري النجاري المدني ثقة كثير الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏من شهد العشاء في جماعة‏}‏ وفي رواية مسلم من صلى العشاء في جماعة ‏{‏كان له قيام نصف ليلة‏}‏ وفي رواية مسلم فكأنما قام نصف الليل ‏{‏ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة‏}‏ وكذلك في رواية أبي داود‏.‏ وفي رواية مسلم ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله‏.‏ قال الحافظ المنذري في الترغيب قال ابن خزيمة في صحيحه باب فضل صلاة العشاء والفجر وبيان أن صلاة الفجر في الجماعة أفضل من صلاة العشاء في الجماعة وأن فضلها في الجماعة ضعفا فضل العشاء في الجماعة، ثم ذكر حديث عثمان بنحو لفظ مسلم، قال المنذري ولفظ أبي داود والترمذي يدافع ما ذهب إليه انتهى، قلت الأمر كما قال المنذري، فإن قلت‏:‏ فما التوفيق بين رواية مسلم التي تقتضي بظاهرها أن من صلى العشاء والفجر في جماعة كان له قيام ليلة ونصف وبين رواية أبي داود والترمذي التي تدل على أن له قيام ليلة‏.‏ قلت‏:‏ المراد بقوله ومن صلى الصبح في جماعة في رواية مسلم أي منضماً لصلاة العشاء جماعة‏.‏ قاله المناوي‏.‏ وقال القاري في المرقاة في شرح قوله فكأنما صلى الليل كله أي بانضمام ذلك النصف فكأنه أحي نصف الليل الأخير انتهى‏.‏ وهذا هو المتعين جمعاً بين الروايتين، والله تعالى أعلم‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وأنس وعمارة بن أبي رويبة وجندب وأبي بن كعب وأبي موسى وبريدة‏)‏ أما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعاً بلفظ‏:‏ من صلى العشاء في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر‏.‏ قال الهيثمي في مجمع الزوائد في إسناده ضعيف غير متهم بالكذب انتهى، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وفيه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا وأما حديث أنس فأخرجه أحمد بمعنى حديث أبي هريرة‏.‏ قال الهيثمي رجاله موثقون‏.‏ وأما حديث عمارة بن رويبة فأخرجه مسلم في صحيحه‏.‏ أما حديث جندب فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم‏.‏ وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم‏.‏ وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جندب‏)‏ بضم الجيم وسكون النون وضم الدال وفتحها ‏(‏بن سفيان‏)‏ هو اسم جد جندب واسم أبيه عبد الله ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده وله صحبة ‏{‏من صلى الصبح فهو في ذمة الله‏}‏ أي في عهده وأمانه في الدنيا والاَخرة‏.‏ وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد ‏{‏فلا تخفروا الله في ذمته‏}‏ قال في النهاية‏:‏ خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه، والهمزة فيه للازالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت وهو المراد في الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث عثمان حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم ولم يحكم الترمذي على حديث جندب بن سفيان بشيء وهو حديث صحيح أخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏بشر المشائين‏}‏ هذا من الخطاب العام ولم يرد به أمراً واحداً بعينه كذا في قوت المغتذي، والمشائين جمع المشاء وهو كثير المشي ‏"‏بالنور التام‏"‏ الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم، أي على الصراط لما قاسوا مشقة المشي في ظلمة الليل جوزوا بنور يضيء لهم ويحيطهم قاله المناوي وقال الطيبي في وصف النور بالتام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى ‏{‏نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا‏}‏ إلى وجه المنافقين في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏انظرونا نقتبس من نوركم‏}‏ انتهى قوله‏.‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود قال المنذري في الترغيب رجال إسناده ثقات وقد ذكر في معنى هذا الحديث أحاديث أخرى بأسانيد حسان من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى الترغيب‏.‏

165- باب مَا جَاءَ فِي فَضْل الصفّ الأَوّل

223- حدثنا قُتَيْبَةُ حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ سُهَيْل بْنِ أبي صَالِحٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏خَيْرُ صُفُوفِ الرّجَالِ أوّلُهَا، وَشَرّها آخرُهَا، وَخَيْرُ صفوفِ النساءِ آخرُها، وشرّها أوّلُها‏"‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عبّاسٍ، ‏(‏وَابْنِ عُمَرَ‏)‏، وَأبي سَعِيدٍ، وَأُبيّ، وَعَائِشَةَ، وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، وَأنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنّهُ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصّفّ الأوّلِ ثَلاَثاً، وَلِلثّانِي مَرّةً‏"‏‏.‏

وَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَوْ أنّ النّاسَ يَعْلَمُونَ مَا فِي النّدَاءِ والصّفّ الأَوّلِ ثمّ لَمْ يَجِدُوا إلاّ أَنْ يَسْتَهِمُوا علَيْهِ لاَسْتَهَمُوا علَيْهِ‏"‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ حدثنا بِذَلِكَ إسْحَقُ بن مُوسَى الأنْصَارِيّ حدثَنَا مَعْنٌ حَدّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمىّ عَنْ أبي صَالِحٍ عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ مِثْلَهُ‏.‏

224- وحدثنا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏خير صفوف الرجال أولها‏}‏ لقربهم من الإمام واستماعهم لقراءته وبعدهم من النساء ‏{‏وشرها آخرها‏}‏ لقربهم من النساء وبعدهم من الإمام ‏{‏وخير صفوف النساء آخرها‏}‏ لبعدهن من الرجال ‏{‏وشرها أولها‏}‏ لقربهن من الرجال‏.‏ والحديث أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه‏.‏ قال النووي أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبدا وشهرها آخرها أبدا‏.‏ أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال‏.‏ وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها آخرها‏.‏ والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثواباً وفضلاً وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه‏.‏ وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك، وذم أول صفوفهن بعكس ذلك انتهى‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستغفر للصف الأول ثلاثاً وللثاني مرة‏)‏ رواه النسائي وابن ماجه وأحمد عن العرباض بن سارية‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏ما في النداء والصف الأول‏"‏ زاد أبو الشيخ في رواية من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة كذا في الفتح ‏(‏ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا‏)‏ أي إلا أن يقترعوا‏.‏ قال الخطابي قيل للاقتراع الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء فمن خرج سهمه غلب‏.‏ قال الحافظ أي لم يجدوا شيئاً من وجوه الأولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته‏.‏ وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا بينهم في الحالين قاله الحافظ ‏(‏عليه‏)‏ أي على ما ذكر ليشمل الأمرين الأذان والصف الأول وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ فاستهموا عليهما‏.‏ قاله الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سمي‏)‏ بضم أوله بلفظ التصغير مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي المدني وثقه أحمد وغيره‏.‏

166- باب مَا جَاءَ فِي إقَامَةِ الصّفُوف

‏(‏باب ما جاء في إقامة الصفوف‏)‏ أي في تعديلها يقال أقام العود إذا عدله وسواه‏.‏

225- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عَنْ النّعْمَانِ بن بَشِيرٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَوّي صُفُوفَنَا، فَخَرَجَ يَوْماً فَرَأَى رجلاً خَارِجاً صَدْرُهُ عَنِ الْقَوْمِ، فَقَالَ‏:‏ لَتُسَوّنَ صفوفَكم أوْ لَيُخَالِفنّ الله بَيْنَ وُجُوهِكُمْ‏"‏‏.‏

‏(‏قالَ‏)‏‏:‏ وفي البابِ عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَالْبَرَاءِ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ النّعْمَانِ ‏(‏بنِ بَشِيرٍ‏)‏ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَدْ رُويَ عَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏مِنْ تَمَامِ الصّلاَةِ إقَامَةُ الصّفّ‏"‏‏.‏

وَرُويَ عن عُمَرَ‏:‏ أنه كَانَ يُوَكّلُ رِجَالا بِإِقَامَةِ الصّفُوفِ فَلاَ يُكَبّرُ حَتّى يُخْبَرَ أنّ الصّفُوفَ قد اسْتَوَتْ‏.‏

وَرُوِيَ عَنْ عَليّ وَعُثْمانَ‏:‏ أنّهُمَا كَانَا يَتَعَاهَدَان ذَلِكَ، وَيقُولانِ‏:‏ اسْتَوُوا‏.‏

وَكَانَ عَلِيّ‏:‏ يَقُولُ تَقَدّمْ يَا فُلاَنُ، تَأَخّرْ يا فُلاَنُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لتسون‏)‏ بضم التاء المثناة وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون قال البيضاوي هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة قوله‏:‏ ‏"‏أو ليخالفن الله وجوهكم‏"‏ أي إن لم تسووا‏.‏ قال النووي قيل معناه يمسخها ويحولها عن صورها لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يجعل الله صورته صورة حمار‏.‏ وقيل يغير صفاتها‏.‏ والأظهر والله اعلم أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، كما يقال تغير وجه فلان على أي ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علي لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح ويؤيده رواية أبي داود وغيره بلفظ‏:‏ أو ليخالفن بين قلوبكم انتهى‏.‏ والحديث يدل بظاهره على وجوب تسوية الصفوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وجابر بن عبد الله وأنس وأبي هريرة وعائشة‏)‏ أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه البراء فأخرجه أبو داود، وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أحمد وغيره وسيأتي لفظه، وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وغيرهما وله ألفاظ‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود بلفظ توسطوا الإمام وسدوا الخلل‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود بلفظ‏:‏ لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث النعمان بن بشير حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏من تمام الصلاة إقامة الصف‏"‏ في مجمع الزوائد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من تمام الصلاة إقامة الصف، رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط‏.‏ وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وقد اختلف في الاحتجاج به انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى عن عمر أنه كان يوكل رجلاً بإقامة الصفوف ولا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت‏)‏ رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذ جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبر ‏(‏وروى عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان أستووا إلخ‏)‏ في الموطأ عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال كنت مع عثمان ابن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي فلم أزل أكلمه وهو يستوي الحصباء بنعليه حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت فقال لي استو في الصف ثم كبر‏.‏

167- باب مَا جَاءَ لِيَلِيَنّي مِنْكُمْ أُولُو اْلأَحْلاَمِ وَالنّهَى

226- حدثنا نَصْرُ بنُ عَليّ الْجَهْضَمِيّ حَدثَنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدثَنَا خَالِدٌ الْحَذّاءُ عَنْ أبي مَعْشَر عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ الله عن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لِيَلِيَنّي مِنْكُمْ أُولُو الأَحْلاَمِ وَالنّهَى، ثُمّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ، وَإِيّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الأسْوَاقِ‏"‏‏.‏

‏(‏قالَ‏)‏‏:‏ وفي البابِ عَنْ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ، وأبي مَسْعُودٍ، وأبِي سَعِيدِ، وَالْبَرَاءِ، وَأَنَسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حديثٌ حسَنٌ ‏(‏صحيحٌ‏)‏ غَرِيبٌ‏.‏

وَ ‏(‏قَدْ‏)‏ رُوِيَ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أنّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ أنْ يَلِيَهُ المُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ، لِيَحْفَظُوا عَنْهُ‏"‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وَخَالدٌ الْحَذّاءُ هُوَ ‏"‏خَالِدُ بنُ مِهْرَانَ‏"‏ يُكْنَى ‏"‏أبَا المُنَازِلِ‏"‏‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ سَمِعْتُ محمدَ بن إسْمَاعِيلَ يَقُولُ ‏(‏يُقَالُ‏)‏‏:‏ إنّ خَالِداً الْحَذّاءَ مَا حَذَا نَعْلاً قَطّ، إنّمَا كَانَ يَجْلِسُ إلَى حَذّاءٍ فَنُسِبَ إلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَالَ‏)‏‏:‏ وَأَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ ‏"‏زِيَادُ بنُ كُلَيْبٍ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏{‏ليليني‏}‏ بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التوكيد‏.‏ كذا قال النووي قلت قد وقع في بعض نسخ الترمذي ليلني بحذف الياء قبل النون وفي بعضها بإثباتها وقال الطيبي من حق هذا اللفظ أن يحذف منه الياء لأنه على صيغة الأمر وقد وجدنا بإثبات الياء وسكونها في سائر كتب الحديث، والظاهر أنه غلط انتهى‏.‏ والمعنى ليدن مني فإنه من الولي بمعنى الدنو والقرب ‏{‏أولو الأحلام والنهى‏}‏ قال ابن سيد الناس الأحلام والنهي بمعنى واحد، وهي العقول، وقال بعضهم المراد بأولى الأحلام البالغون، وبأولى النهي العقلاه‏.‏ فعلى الأول يكون العطف فيه من باب قوله‏:‏ وألفي قولها كذباً وميناً، وهو أن تغاير اللفظ قائم مقام تغاير المعنى وهو كثير في الكلام، وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل انتهى ‏{‏ثم الذين يلونهم‏}‏ قال النووي معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف انتهى‏.‏ وقال القاري في المرقاة كالمراهقين أو الذين يقربون الأولين في النهي والحلم ‏(‏ثم الذين يلونهم‏)‏ قال القاري كالصبيان المميزين والذين هم أنزل مرتبة من المتقدمين حلماً وعقلاً والمعنى هلم جراً فالتقدير ثم الذين يلونهم كالنساء فإن نوع الذكر أشرف على الإطلاق، وقيل المراد بهم الخناثى ففيه إشارة إلى ترتيب الصفوف انتهى كلام القاري ‏(‏ولا تختلفوا‏)‏ أي بالأبدان ‏(‏فتختلف قلوبكم‏)‏ أي أهويتها وإرادتها‏.‏ قال الطيبي فتختلف بالنصب أي على جواب النهي وفي الحديث أن القلب تابع للأعضاء فإذا اختلفت اختلف وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء لأنه رئيسها ‏(‏وإياكم وهيشات الأسواق‏)‏ قال النووي بفتح الهاء وإسكان الياء وبالشين المعجمة‏.‏ أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها انتهى، وفي المرقاة جمع هيشة وهي رفع الأصوات نهاهم عنها لأن الصلاة حضور بين يدي الحضرة الإلهية فينبغي أن يكونوا فيها على السكوت وآداب العبودية، وقيل هي الاختلاط والمعنى لا تكونوا مختلطين اختلاط أهل الأسواق فلا يتميز أصحاب الأحلام والعقول من غيرهم ولا يتميز الصبيان والإناث من غيرهم في التقدم والتأخر، وهذا المعنى هو الأنسب بالمقام، قال الطيبي ويجوز أن يكون المعنى قوا أنفسكم من الاشتغال بأمور الأسواق فإنه يمنعكم أن تلوني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بن كعب وأبي مسعود وأبي سعيد والبراء وأنس‏)‏ أما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد والنسائي، وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وأما حديث أبي سعيد والبراء فأخرجه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وسعيد بن منصور‏:‏ كذا في شرح سراج أحمد السرهندي، وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه ‏(‏حديث ابن مسعود حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه إلخ‏)‏ رواه ابن ماجه من حديث أنس كما تقدم آنفاً‏.‏

وله‏:‏ ‏(‏هو خالد بن مهران‏)‏ بكسر الميم وسكون الهاء ‏(‏ويكنى أبا المنازل‏)‏ بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاء ‏(‏أن خالد الحذاء‏)‏ بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة ‏(‏ما حذا نعلاً‏)‏ قال في القاموس حذا النعل حذوا وحذاء قدرها وقطعها‏.‏

168- باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصّفّ بَيْنَ السّوَارِي

‏(‏باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري‏)‏ جمع سارية بمعنى الاسطوانة

227- حدثنا هَنّادٌ حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عنْ يَحْيَى بنِ هَانِئ بن عُرْوَةَ المُرَادِيّ عنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بن محمود قال‏:‏ ‏"‏صلّينا خَلفَ أمِيرٍ مِنَ الأُمَرَاء فاضْطَرّنَا النّاسُ فَصَلّيْنَا بين السّارِيَتَيْنِ، فلما صَلّيْنَا قال أَنَسُ بنُ مَالِكٍ‏:‏ كُنّا نَتّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

وفي البابِ عنْ قُرّةَ بن إيَاسٍ المُزَنِيّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أنس حديثٌ حسَنٌ ‏(‏صحيحٌ‏)‏‏.‏

وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ أنْ يُصَفّ بَيْنَ السّوَارِي‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أحمَدُ، وإسْحاقُ‏.‏

وَقَدْ رَخّصَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا نتقي هذا‏)‏ أي الصلاة بين الساريتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن قرة بن إياس المزني‏)‏ قال كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طرداً أخرجه ابن ماجه وفي إسناده هارون بن مسلم البصري وهو مجهول كما قال أبو حاتم، يشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها‏.‏ وقال لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ وبه قال النخعي وروى سعيد بن منصور في سننه النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة‏.‏ قال ابن سيد الناس ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة‏.‏ والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر بن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع جمع النعال، قال ابن سيد الناس والأول أشبه لأن الثاني محدث‏.‏ قال القرطبي روى أن سبب كراهة ذلك أن مصلى جن المؤمنين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك‏)‏ أي الصلاة بين السواري رخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياساً على الإمام والمنفرد، قالوا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين‏.‏ قال ابن رسلان وأجازه الحسن وابن سيرين وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين وهو قول الكوفيين‏.‏

قال الشوكاني حديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ولم يقل كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد‏.‏ ولكن حديث أنس الذي أخرجه الحاكم فيه النهي عن الصلاة مطلقاً فيحمل المعلق على المقيد ويدل على ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصاً بصلاة المؤتمين دون صلاة الإمام والمنفرد‏.‏ وهذا أحسن ما يقال، وأما قياس المؤتمين على الإمام والمنفرد ففاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب انتهى‏.‏

169- باب مَا جَاءَ فِي الصلاَةِ خَلْفَ الصّفّ وَحْدَه

228- حدثنا هَنّادٌ حدثنا أبو الأحْوَصِ عنْ حُصَيْنٍ عَنْ هِلاَلِ بنِ يَسَافٍ قَالَ‏:‏ أخَذَ زيَادُ بْنُ أبي الجَعْدِ بَيِدي وَنَحْنُ بِالرّقّةِ فَقَامَ بي عَلَى شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ وَابِصَةُ بنُ مَعْبَدٍ مِنْ بَنِي أسَدٍ فَقَالَ زيادٌ‏:‏ حَدّثِني هَذَا الشّيْخُ ‏"‏أنّ رَجُلاً صَلّى خَلْفَ الصّفّ وَحْدَهُ- والشّيْخُ يَسْمَعُ- فأَمَرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُعِيدَ الصّلاَةَ‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وفي البابِ عنْ عَلِيّ بن شَيْبَانَ، وابن عَبّاسٍ‏.‏

قال ‏(‏أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏و‏)‏ حديثُ وابصَةَ حديثٌ حسنٌ‏.‏

وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ أنْ يُصَلّيَ الرّجُلُ خَلْفَ الصّفّ وَحْدَهُ، وَقَالوا‏:‏ يُعِيدُ إذَا صلّى خَلْفَ الصفّ وحْدَهُ‏.‏

وَبهِ يَقُولُ أحْمَدُ، وَإِسْحَقُ‏.‏

وَقَدْ قَال قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْعِلْمِ يُجْزِئهُ إذَا صلّى خَلْفَ الصفّ وَحْدَهُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّورِيّ، وَابْنُ المُبَارَكِ، وَالشّافِعِيّ‏.‏

وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أهْلِ الْكُوفَةِ إلَى حَدِيثِ وَابِصَةَ بن مَعْبَدٍ أيْضاً، قَالوا‏:‏ مَنْ صلّى خَلْفَ الصف وَحْدهُ يُعِيدُ‏.‏

مِنْهُمْ حَمّادُ بن أبي سُلَيْمانَ وَابْنُ أبي لَيْلَى، وَوَكِيعٌ‏.‏

وَروَى حديثَ حُصَيْنٍ عَنْ هِلاَلِ بن يَسَافٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَ رِوَايَةِ أبي الأحْوَصِ عَنْ زِيَادِ بن أبي الْجَعْدِ عَنْ وَابصَةَ ‏(‏بن مَعْبَدٍ‏)‏‏.‏

وفِي حَديثِ حُصَيْنٍ مَا يَدُلّ عَلَى أنّ هِلاَلاً قَدْ أدْرَكَ وَابصَةَ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أهْلُ الْحَديثِ فِي هَذَا‏:‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ حَدِيثُ عَمْرِو بن مُرّةَ عَنْ هِلاَلِ بن يِسَافٍ عَنْ عَمْرِو بن رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ ‏(‏بْن مَعْبَدٍ‏)‏‏:‏ أصَحّ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ حدِيثُ حُصَيْنٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ يِسافٍ عَنْ زيَادِ بن أبي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ بنْ مَعْبَدٍ أصَحّ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهَذَا عنْدي أصحّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بن مُرّةَ، لأنّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ هِلاَلِ بن يِسافٍ عَنْ زِيَادِ بن أبي الْجَعْدِ عَنْ وَابِصَةَ‏.‏

229- حدثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بنِ مُرّةَ عَنْ هِلاَل بن يِسافٍ عَنْ عَمْرِو بن رَاشِدٍ عَنْ وَابِصَةَ بن مَعْبَدٍ‏:‏ ‏"‏أنّ رَجُلاً صلّى خَلْفَ الصفّ وحْدَهُ فَأَمَرَهُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُعِيدَ الصلاَة‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏وَ‏)‏ سَمِعْتُ الْجَارُودَ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ وَكِيعاً يَقُولُ‏:‏ إذَا صَلّى الرّجُلُ خَلْفَ الصّفّ وَحْدَهُ فَإِنّهُ يُعِيدُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هلال بن يساف‏)‏ بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء ويقال ابن أساف الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة من أوساط التابعين ‏(‏ونحن بالرقة‏)‏ بفتح الراء وشدة القاف اسم موضع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال زياد حدثني هذا الشيخ‏)‏ يعني وابصة بن معبد ‏(‏والشيخ يسمع‏)‏ هذا مقول هلال بن يساف وهو جملة حالية‏.‏ أي فقال زياد حدثني هذا الشيخ أن رجلاً إلخ والحال أن الشيخ كان يسمع كلامه ولم ينكر عليه ‏(‏فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة‏)‏ فيه دلالة على أن الصلاة خلف الصف وحده لا تصح وأن من صلى خلف الصف وحده فعليه أن يعيد الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي بن شيبان وابن عباس‏)‏ أما حديث علي بن شيبان فأخرجه أحمد وابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف، إسناده حسن، روى الأثرم عن أحمد أنه قال حديث حسن، قال ابن سيد الناس رواته ثقات معروفون وهو من رواية عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه وعبد الرحمن قال فيه ابن حزم وما نعلم أحداً عابه بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن بدر، وهذا ليس جرحة انتهى‏.‏ ويشهد لحديث علي بن شيبان ما أخرجه ابن حبان عن طلق مرفوعاً لا صلاة لمنفرد خلف الصف كذا في النيل‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عنه قال‏:‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من آخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث وابصة حديث حسن‏)‏ قال الحافظ في الفتح أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبه يقول أحمد وإسحاق‏)‏ وبه قال بعض محدثي الشافعية كابن خزيمة، وممن قال بذلك النخعي والحسن بن صالح وبه قال قوم من أهل الكوفة كما بينه الترمذي، واستدلوا بأحاديث الباب ‏(‏وقد قال قوم من أهل العلم تجزئه إذا صلى خلف الصف وحده وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي‏)‏ وهو قول الحنفية واستدل لهم بحديث أنس قال صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا‏.‏ رواه البخاري ومسلم قال الزيلعي في نصب الراية‏:‏ وأحكام الرجال والنساء في ذلك سواء انتهى‏.‏ وقال ابن بطال لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى انتهى‏.‏

ورد هذا الاستدلال بأنه إنما ساغ ذلك للمرأة لامتناع أن تصف مع الرجال بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم، وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافقترقا‏.‏ قال الحافظ في الفتح قال ابن خزيمة لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه، وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق فكيف يقاس مأمور على منهى انتهى‏.‏ واستدل لهم أيضاً بحديث ابن عباس بأنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه صلى الله عليه وسلم بيده وجعله حذاءه ولم يأمره بإعادة الصلاة‏.‏

وأجيب عنه بأن رواية ابن عباس هذه هي إحدى الروايات التي وردت في صفة دخوله مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل في الليلة التي بات فيها عند خالته ميمونة، والذي في الصحيحين وغيرهما أنه قام عن يساره فجعله عن يمينه وهو الأصح الأرجح، واستدل لهم أيضاً بحديث أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصاً ولا تعد، رواه البخاري وأبو داود والنسائي، قال التوربشتي ومحي السنة‏:‏ فيه دلالة على أن الانفراد خلف الصف لا يبطل لأنه لم يأمره بالإعادة وأرشده في المستقبل بما هو أفضل بقوله ولا تعد فإنه نهي تنزيه لا تحريم إذا لو كان للتحريم لأمره بالإعادة انتهى، وقال ابن الهمام من العلماء الحنفية‏:‏ وحمل أئمتنا حديث وابصة على الندب وحديث علي بن شيبان على نفي الكمال ليوافقا حديث أبي بكرة إذ ظاهره عدم لزوم الإعادة لعدم أمره بها انتهى كلامه محصلاً‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ في الفتح جمع أحمد وغيره بين الحديثين يعني بين حديث وابصة وحديث أبي بكرة بأن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة فمن ابتدأ الصلاة منفرداً خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة وإلا فيجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان انتهى، وهذا الجمع حسن بل هو المتعين فإنه يحصل التوفيق بين الأحاديث بلا تكلف والله تعالى أعلم‏.‏

فائدة‏:‏

قد اختلف في من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل، فقيل إنه يقف منفرداً ولا يجذب إلى نفسه أحداً لأنه لو جذب إلى نفسه واحداً لفوت عليه فضيلة الصف الأول ولأوقع الخلل في الصف وبهذا قال أبو الطيب الطبري، وحكاه عن مالك، وقال أكثر أصحاب الشافعي إنه يجذب إلى نفسه واحداً ويستحب للمجذوب أن يساعده ولا فرق بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك، وقد روى عن عطاء وإبراهيم النخعي أن الداخل إلى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز له أن يجذب إلى نفسه واحداً ليقوم معه واستقبح ذلك أحمد وإسحاق وكرهه الأوزاعي ومالك واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث وابصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف‏:‏ أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت رجلاً من الصف أعد صلاتك، وفيه السري بن إسماعيل وهو متروك وله طريق أخرى في تاريخ أصبهان لأبي نعيم، وفيها قيس بن الربيع وفيه ضعف، لأبي داود في المراسل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعاً‏:‏ إن جاء فلم يجد أحداً فليختلج إليه رجلاً من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج وأخرج الطبراني عن ابن عباس بإسناد قال الحافظ واهٍ، بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الاَتي وقد تمت الصفوف أن يجتذب إليه رجلاً يقيمه إلى جنبه كذا في النيل‏.‏

170- باب مَا جَاء فِي الرّجُلِ يُصَلّي وَمَعَهُ رَجُل

230- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا دَاوُدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْعَطّارُ عن عَمْرِو ابْنِ دِينَارٍ عن كُرَيْب مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عن ابْنِ عَبّاس قَالَ‏:‏ ‏"‏صَلّيْتُ مَعَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقُمْتُ عن يَسَارِهِ، فأَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي فَجَعَلَنِي عن يَمِينِهِ‏"‏‏:‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي الباب عنْ أنس‏:‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏و‏)‏ حديث ابن عبّاس حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ‏:‏

والْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدهُمْ، قَالوا‏:‏ إذَا كَانَ الرّجُلُ مَعَ الإمَامِ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الإمَامِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذات ليلة‏)‏ أي في ليلة ولفظ ذات مقحم، وقال جار الله وهو من إضافة المسمى إلى اسمه ‏(‏فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي‏)‏ كلا الجارين متعلقان بأخذ ‏(‏فجعلني عن يمينه‏)‏ فيه دلالة على أن المأموم الواحد يقف على يمين الإمام وهو مذهب جميع أهل العلم ونقل جماعة الإجماع فيه قاله النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته قال فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا أخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن عباس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه البخاري ومسلم‏.‏

171- باب مَا جَاءَ في الرّجُل يُصَلّي مَع الرّجُلَيْن

231- حدثنا بُنْدَارٌ مُحَمّدُ بن بَشّارٍ، حدثنا ‏(‏مُحَمّد‏)‏ بن أبي عَدِيّ قَال‏:‏ أَنْبَأَنَا إسْماعِيل بن مُسْلِمِ عَنِ الْحَسَنِ عن سَمُرَةَ بن جُنْدَبٍ قَال‏:‏ ‏"‏أمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذَا كُنّا ثَلاَثَة أنْ يَتَقَدّمَنَا أحَدنَا‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وفي البابِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، ‏(‏وَأنَسِ بْن مَالِكٍ‏)‏‏.‏

قَالَ ‏(‏أبُو عِيسَى‏)‏‏:‏ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حديثٌ ‏(‏حسَنٌ‏)‏ غَرِيبٌ‏.‏

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهْلِ الْعِلْمِ، قَالُوا‏:‏ إذَا كانُوا ثَلاَثَةً قَامَ رَجُلاَنِ خَلْفَ الإمِامِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ أنّهُ صَلّى بِعَلْقَمَةَ وَاْلأسْوَدِ فَأَقَامَ أحَدَهُمَا عن يَمِينِهِ وَالاَخَرَ عَنْ يَسَارِهِ، وَرَوَاهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ النّاسِ فِي إسْمَعِيلَ بْنِ مسْلِمٍ ‏(‏الْمكّيّ‏)‏ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يتقدمنا أحدنا‏)‏ معمول لقوله أمرنا على حذف الباء أي بأن يتقدمنا أحدنا وإذا كنا ظرف يتقدمنا وجاز تقديمه على أن المصدرية للاتساع في الظروف قاله الطيبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وجابر‏)‏ أما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد عن الأسود بن يزيد، قال دخلت أنا وعمي علقمة على ابن مسعود بالهاجرة قال فأقام الظهر ليصلي فقمنا خلفه فأخذ بيدي ويد عمي ثم جعل أحدنا عن يمينه والاَخر عن يساره فصففنا صفاً واحداً قال ثم قال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة، وأخرج أبو داود والنسائي معناه وأخرجه مسلم مطولاً ومختصراً وسيجيء لفظه المختصر، وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث سمرة حديث غريب‏)‏ في إسناده إسماعيل بن مسلم وقد تكلم بعض الناس كما صرح به الترمذي وقد تكلم الناس في سماع الحسن عن سمرة لكنه مؤيد بحديث جابر المذكور وبحديث أنس قال صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم خلفنا رواه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعمل على هذا عند أهل العلم إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام‏)‏ وهو الحق وقال ابن مسعود رضي الله عنه وصاحباه الأسود وعلقمة ونفر يسير من أهل الكوفة قام أحدهما عن يمين الإمام والاَخر عن شماله وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعضهم كما ستقف عليه في كلام النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فأقام أحدهما عن يمينه والاَخر عن يساره إلخ‏)‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وتقدم آنفاً لفظه وبه قال بعض الكوفيين، واحتجوا بحديث ابن مسعود هذا‏.‏ وأجاب عنه ابن سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان رواه الطحاوي كذا في فتح الباري، وفي صحيح مسلم عن إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال أصلي من خلفكم قالا نعم فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه والاَخر عن شماله ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي هذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه وخالفهم جميع العلماء من الصحابة إلى الاَن، فقالوا إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفا لحديث جابر وجبار بن صخر وقد ذكر مسلم في صحيحه في آخر الكتاب في الحديث الطويل عن جابر وأجمعوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة يقفون وراءه وأما الواحد فيقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة ونقل جماعة الإجماع فيه انتهى كلام النووي‏.‏

172- باب مَا جَاءَ فِي الرّجُلِ يُصلّي وَمَعَهُ الرّجَالُ وَالنّسَاء

232- حدثنا ‏(‏إسْحَق‏)‏ الأنْصَارِيّ حدثنا مَعْنٌ حدثنا مَالِكُ ‏(‏بنُ أنَس‏)‏ عن إسْحَقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عن أنَسِ بن مَالِكٍ‏:‏ ‏"‏أنّ جَدّتَهُ مُلَيْكَة دَعَتْ رَسول الله صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمّ قَالَ‏:‏ قُومُوا فَلْنُصَلّ بِكُمْ، قَالَ أنَسٌ‏.‏ فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدّ مِنْ طُول مَا لُبِسَ، فَنَضَحْتُهُ بِالْمَاءِ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسول الله صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْتُ عليهِ أنَا وَاليَتِيمُ وَرَاءَه، والعجوزُ من ورائنا، فصلى بنا ركعتين ثم انصرف‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أنسٍ حديث حسن صحيح، والعملُ عليه عندَ ‏(‏أكثر‏)‏ أهل العلمِ، قالوا إذا كان مع الإمامِ رَجُلٌ وامرأةٌ، قام الرجلُ عن يمين الإمامِ والمرأةُ خلفَهما، وقد احتج بعضُ الناسِ بهذا الحديث في إجازة الصّلاَةِ إذا كان الرجلُ خلفَ الصفّ وحدَه، ‏(‏و‏)‏ قالوا‏:‏ إن الصّبيّ لم تكنْ لهُ صلاةٌ‏.‏ وكأنّ أنساً كان خلفَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم وحدَه، ‏(‏في الصفّ‏)‏ وليسَ الأمرُ عَلَى ما ذَهبُوا إليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقامَه مع اليتيمِ خَلْفَه، فلولا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل لليتيم صلاة، لَمَا أَقَامَ اليتيمَ معه وَلأَقامهُ عن يمينه‏"‏‏"‏‏.‏ وقد رُوِي عن موسى بن أنسٍ عن أنسٍ ‏"‏أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقامَه عن يمينه‏"‏، وفِي هذا الحديثِ دلالةٌ أنّهُ إنما صلى تَطَوعاً، أراد ادخالَ البركةِ عليهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قوله أن جدته‏)‏ أي جدة أنس ‏(‏مليكة‏)‏ بضم الميم تصغير ملكة وقيل ضمير جدته يرجع إلى إسحاق بن عبد الله وقد بسط الحافظ في الفتح الكلام في هذا من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه ‏(‏من طول ما لبس‏)‏ أي استعمل، وفيه أن الافتراش يسمي لبساً ‏(‏فنضحته بالماء‏)‏ يحتمل أن يكون النضح لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة ‏(‏والعجوز من ورائنا‏)‏ هي مليكة المذكورة ثم انصرف أي إلى بيته أو من الصلاة وفي هذا الحديث من الفوائد صلاة النافلة جماعة في البيوت وقيام الصبي مع الرجل صفا وتأخير النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفاً وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها وصحة صلاة الصبي المميز ووضوئه قوله‏:‏ ‏(‏حديث أنس حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

173- باب ‏(‏ما جاء‏)‏ من أحقّ بالإمامة

233- حدثنا هنّاد حَدّثَنَا أبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعمشِ ‏(‏قال‏)‏‏:‏ وحَدثنا محمودُ بنُ غَيْلانَ حَدّثَنَا أبُو معاويَة و ‏(‏عبد الله‏)‏ ابنُ نُمَيْرٍ عن الأعمشِ عن إسْمَاعِيلَ بنِ رجاءٍ الزبيديّ عَن أوسِ بنِ ضمعجٍ قال‏:‏ سمعتُ أبا مسعودٍ الأنصَارِيّ يقولُ‏:‏ قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَؤُمّ الْقَوْمَ أقرؤُهُمْ لِكتَابِ الله فإنْ كَانُوا فِي الْقرَاءةِ سواءً، فأعلمهُم بالسنّةِ، فإن كَانُوا فِي السنة سواء فأَقدَمَهُم هجرَةً، فإن كَانوا في الهجرَة سواء فأكبرُهم سِنّا، ولا يُؤَمّ الرّجلُ فِي سُلْطَانِه ولاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكرمَتِهِ ‏(‏فِي بَيْتِهِ‏)‏ إلاّ بِإِذْنِهِ‏"‏‏.‏ قَال مَحْمُودُ ‏(‏بن غيلان‏)‏‏:‏ قالَ ابنُ نُمَيْرٍ في حديثه‏:‏ ‏"‏أقدَمُهم سِنّا‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وفي البابِ عَنْ أبي سَعِيدٍ وَأَنسِ بنِ مَالِكٍ ومالكِ بنِ الحُوَيرِثِ وَعمرو بنِ سَلَمَةَ‏.‏

قال ‏(‏أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏و‏)‏ حديثُ أبي مسعود حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، والعَمَلُ عَلَى هذا عندَ أهلِ العلمِ، قالوا‏:‏ أحقّ النَاسِ بالإمَامَةِ أقرؤُهم لكتابِ الله، وأعلمُهمْ بالسنةِ، وقالوا صاحبُ المنزِل أحقّ بالإمامةِ‏.‏ وقالَ بعضهمُ‏:‏ إذَا أذِنَ صاحبُ المنزلِ لغَيْرِهِ فَلا بَأْسَ أنْ يُصَلّيَ بهِ، وكَرهَهُ بعضُهم‏.‏ وقالوا‏:‏ السّنّةُ أن يُصَلّيَ صَاحبُ البيْتِ، قال أحمدُ بنُ حَنبلٍ‏:‏ وقولُ النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏‏(‏و‏)‏ لاَ يُؤَمّ الرّجُلُ في سُلْطَانِه، ولاَ يُجْلسُ على تكْرِمَتهِ ‏(‏في بيتِه‏)‏ إلاّ بإذْنِهِ‏"‏، فإذَا أذِنَ فأرجو أنّ الإذنَ في الكُلّ، ولَمْ يَرَ ‏(‏بهِ‏)‏ بَأساً إذَا أذِنَ لَهُ أن يُصَلّيَ بِهِ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وابن نمير‏)‏ بالتصغير هو عبد الله نمير الهمداني الخارقي أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة روى عن الأعمش وغيره قال ابنه محمد مات سنة 199 تسع وتسعين ومائة ‏(‏عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي‏)‏ بضم الزاي مصغراً أبي إسحاق الكوفي ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة ‏(‏عن أوس بن ضمعج‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم بوزن جعفر الكوفي ثقة مخضرم من الثانية قاله الحافظ ‏(‏سمعت أبا مسعود الأنصاري‏)‏ اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة البدري صحابي جليل ‏(‏عن أوس بن ضمعج‏)‏ بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏يؤم القوم‏"‏ قال الطيبي بمعنى الأمر أي ليؤمهم ‏(‏أقرؤهم لكتاب الله‏)‏ قيل المراد به الأفقه، وقيل هو على ظاهره وبحسب ذلك اختلف الفقهاء‏.‏ قال النووي قال أصحابنا الأفقه مقدم على الأقرأ فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه، ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي قال وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏.‏ وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج، بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه انتهى‏.‏ ثم قال النووي بعد ذلك إن قوله في حديث أبي مسعود فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة، يدل على تقديم الأقرأ مطلقاً انتهى قال الحافظ‏:‏ وهو واضح للمغايرة، وهذه الرواية أخرجها مسلم من وجه آخر عن إسمعيل بن رجاء، ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فأما إذا كان جاهلاً بذلك فلا يقدم اتفاقاً والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القرآن لكونهم أهل اللسان فالأقرأ منهم بل القاري كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاؤا بعدهم انتهى كلام الحافظ، وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث الباب‏:‏ ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه إلا أن الحاكم قال عوض قوله فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقهاً فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سناً انتهى، قال وقد أخرج مسلم في صحيحه هذا الحديث ولم يذكر فيه فأفقههم فقهاً وهي لفظة عزيزة غريبة بهذا الإسناد الصحيح وسنده عن يحيى بن بكير ثنا الليث عن جرير بن حازم عن الأعمش عن إسمعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود فذكره، ثم أخرجه الحاكم عن الحجاج ابن أرطاة عن إسمعيل بن رجاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ يؤم القوم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأفقهم في الدين فإن كانوا في الفقه سواء فأقرأهم للقرآن والحديث، وسكت عنه، والباقون من الأئمة يخالفوننا في هذه المسئلة ويقولون إن الأقرأ لكتاب الله يقدم على العالم، كما هو لفظ الحديث حتى إذا اجتمع من يحفظ القرآن وهو غير عالم وفقيه يحفظ يسيراً من القرآن يقدم حافظ القرآن عندهم، ونحن نقول يقدم الفقيه، وأجاب صاحب الكتاب بأن الأقرأ في ذلك الزمان كان أعلمهم وهذا يرده لفظ الحاكم الأول، ويؤيد مذهبنا لفظه الثاني إلا أنه معلول بالحجاج بن أرطأة، قال ويشهد للخصم أيضاً حديث عمرو بن سلمة ثم ذكره عن البخاري وفيه وبدر أبي قومهم بإسلامهم فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي حقا فقالوا صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين إلخ‏.‏

قلت‏:‏ القول الظاهر الراجح عندي هو تقديم الأقرأ على الأفقه وقد عرفت في كلام الحافظ أن محل تقديم الأقرأ حيث يكون عارفاً بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة ‏"‏فاعلمهم بالسنة‏"‏ قال الطيبي أراد بها الأحاديث فالأعلم بها كان هو الأفقه في عهد الصحابة ‏"‏فاقدمهم هجرة‏"‏ أي انتقالاً من مكة إلى المدينة قبل الفتح فمن هاجر أولاً فشرفه أكثر ممن هاجر بعده‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل‏}‏ الاَية ‏"‏ولا يؤم الرجل‏"‏ بصيغة المجهول وفي رواية مسلم لا يؤمن الرجل الرجل ‏"‏في سلطانه‏"‏ أي في مظهر سلطنته ومحل ولايته أو فيما يملكه أو في محل يكون في حكمه ويعضد هذا التأويل الرواية الأخرى في أهله ورواية أبي داود في بيته ولا في سلطانه، ولذا كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج وصح عن ابن عمر أن إمام المسجد مقدم على غير السلطان وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتآلفهم وتوادهم، فإذا أم الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع ربقة الطاعة، وكذلك إذا أمه في قومه وأهله أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف الذي شرع لدفعه الاجتماع، فلا يتقدم رجل على ذي السلطنة لا سيما في الأعياد والجماعة، ولا على إمام الحي ورب البيت إلا بالإذن قاله الطيبي ‏(‏ولا يجلس‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏على تكرمته‏)‏ كسجادته أو سريره وهي وهي في الأصل مصدر كرم تكريماً أطلق مجازا على ما يعد للرجل إكراماً له في منزله ‏(‏إلا بإذنه‏)‏ قال ابن الملك متعلق بجميع ما تقدم، قلت كل من قال إن صاحب المنزل إذا أذن لغيره فلا بأس أن يصلي بهم يقول‏:‏ إن ‏"‏إلا بإذنه‏"‏ متعلق بجميع ما تقدم، وكل من لم يقل به إنه متعلق بقوله ولا يجلس فقط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال محمود‏)‏ يعني ابن غيلان ‏(‏قال ابن نمير في حديثه أقدمهم سناً‏)‏ أي قال هذا اللفظ مكان لفظ أكبرهم سناً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد وأنس بن مالك ومالك بن الحويرث وعمرو بن سلمة‏)‏ أما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم والنسائي، وأما حديث أنس فلم أقف عليه، وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه الجماعة، وأما حديث عمرو بن سلمة فأخرجه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي بهم‏)‏ قال في المنتقى وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود إلا بإذنه ويعضده عموم ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة، عبد أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أم قوماً وهم به راضون، ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل ليلة، رواه الترمذي، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الاَخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم رواه أبو داود ‏(‏وكرهه بعضهم‏)‏ أي وإن أذن صاحب المنزل وقالوا‏:‏ السنة أن يصلي صاحب البيت أي يؤم صاحب البيت ولا يؤم الزائر لحديث مالك بن الحويرث قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من زار قوماً فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم‏.‏ رواه الخمسة إلا ابن ماجه‏.‏ وقال هؤلاء قوله‏:‏ ‏(‏إلا بإذنه‏)‏ في حديث الباب متعلق بقوله لا يجلس على تكرمته وليس متعلقاً بقوله لا يؤم الرجل ‏(‏فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل‏)‏ فقوله إلا بإذنه متعلق بكلا الفعلين عند أحمد‏.‏

قال الشوكاني في النيل‏:‏ ويعضده عموم قوله في حديث ابن عمرو هم به راضون، وقوله في حديث أبي هريرة إلا بإذنه كما قال المصنف يعني صاحب المنتقى فإنه يقتضي جواز إمامة الزائر عند رضي المزور، قال العراقي ويشترط أن يكون المزور أهلا للإمامة فإن لم يكن أهلا كالمرأة في صورة كون الزائر رجلا والأمي في صورة كون الزائر قارئاً ونحوهما فلا حق له في الإمامة‏.‏

واعلم أن الإمام البخاري قال في صحيحه‏:‏ باب إذا زار الإمام قوماً فأمهم، ثم ذكر فيه حديث عتبان بن مالك قد استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فقال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى المكان الذي أحب فقام وصففنا خلفه ثم سلم وسلمنا‏.‏ قال الحافظ في الفتح قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعاً‏:‏ من زار قوماً فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم، محمول على من عدا الإمام الأعظم وقال الزين بن المنير مراده أن الإمام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار، ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الإمام في التقدم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه انتهى ملخصا، ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فإن مالك الشيء سلطان عليه والإمام الأعظم سلطان على المالك وقوله إلا بإذنه يحتمل عوده على الأمرين الإمامة والجلوس، وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي فتحصل بالإذن مراعاة الجانبين انتهى‏.‏

174- باب مَا جَاءَ إذا أمّ أحدُكُم الناسَ فَلْيُخَفّف

234- حدثنا قُتَيْبَةُ حدثنا المغيرةُ بنُ عبدِ الرحمَنِ عن أبي الزّنَادِ عن الأعرج عن أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إذَا أمّ أحدُكُمُ الناس فَلْيُخَفّفْ، فإنّ فيهمُ الصغيرَ والكبيرَ والضعيفَ والمريضَ، فإذَا صَلّى وَحدَه، فليصلّ كَيفَ شَاءَ‏"‏‏.‏

قال ‏(‏أبو عيسى‏)‏‏:‏ وفي البَاب عن عديّ بن حاتم، وَأَنسٍ، وَجَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، وَمالك بنِ عَبْدِ الله، وأبي وَاقِدٍ، وعثمانَ بنِ أبي العَاصِ وأبي مسعودٍ، وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله وابنِ عباسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حدِيثُ أبي هُرَيْرةَ حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ، وهُوَ قولُ أكْثَرِ أهْلِ العلمِ اخْتَارُوا أن لا يِطيلَ الإمامُ الصّلاَةَ مَخَافَةَ المشقةِ عَلَى الضعيفِ والكبير والمريض‏.‏ ‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ وأبُو الزّنَادِ اسمُه ‏(‏عَبْدُ الله بنُ ذَكوَانَ‏)‏ والأعْرجُ هُوَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ هُرمُزٍ المدينِيّ ‏(‏و‏)‏ يُكْنَى أبا دَاودَ‏.‏

235- حدّثنَا قُتَيْبَةُ حدثنا أبو عَوانَةَ عن قَتَادَةَ عن أنس ‏(‏بن مالك‏)‏ قال‏:‏ ‏"‏كان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم من أخف النّاسِ صَلاَةً في تَمَامٍ‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏و‏)‏ هذا حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ ‏(‏واسم ابن عوانة ‏"‏وضّاحٌ‏"‏‏)‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ سألت قتيبة قلت‏:‏ أبو عوانة ما اسمه‏؟‏ قال‏:‏ وضّاحٌ قلت‏:‏ ابن من‏؟‏ قال‏:‏ لا أدري، كان عبداً لامرأة بالبصرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن‏)‏ بن عبد الله الخزامي المدني روى عن أبي الزناد فأكثر وعنه يحيى بن يحيى وقتيبة قال أبو داود رجل صالح وقال أحمد ما بحديثه بأس وقال الكسائي ليس بالقوي، كذا في الخلاصة وقال الحافظ ثقة له غرائب ‏"‏فليخفف‏"‏ قال ابن دقيق العيد التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم طويلاً بالنسبة لعادة آخرين، قال وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك‏.‏ لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلاً، قال الحافظ وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم، إسناده حسن وأصله في مسلم أنتهى ‏"‏فإن فيهم الصغير والكبير‏"‏ أي في السن ‏"‏والضعيف‏"‏ أي ضعيف الخلقة ‏"‏والمريض‏"‏ وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع، وله من حديث عدي بن حاتم والعابر السبيل، ووقع في حديث أبي مسعود وذا الحاجة، وهو أشمل الأوصاف المذكورة، قال الحافظ في الفتح‏:‏ قوله فإن فيهم مقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل، قال وقد قدمت ما يرد عليه من إمكان مجيء من يتصف بإحداها، وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقاً‏.‏ قال وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق، عملاً بالغالب، لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهناك كذلك انتهى ما في الفتح‏.‏ وقال ابن عبد البر ينبغي لكل إمام أن يخفف لأمره صلى الله عليه وسلم وإن علم قوة من خلفه، فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض وحاحة وحدث وغيره ‏"‏فليصل كيف شاء‏"‏ أو مخففاً أو مطولاً وفي رواية البخاري فليطول ما شاء، قال القاري في المرقاة والحديث بظاهره ينافي قول بعض الشافعية إن تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين مبطل للصلاة انتهى، قلت الأولى أن يقال إن الحديث ينفي قول بعض الشافعية ويرده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عدي بن حاتم وأنس وجابر بن سمرة ومالك بن عبد الله وأبي واقد وعثمان بن أبي العاص وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس‏)‏ أما حديث عدي بن حاتم فأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود، وأما حديث مالك بن عبد الله وهو الخزاعي‏.‏ وحديث أبي واقد فأخرجهما الطبراني وأما حديث عثمان بن أبي العاص فأخرجه مسلم‏.‏ وأما حديث أبي مسعود فأخرجه الشيخان وابن ماجه وأحمد‏.‏ وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الشيخان‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن أبي شيبة‏.‏ وفي الباب أيضاً عن حزم بن أبي كعب أخرجه أبو داود وعن ابن عمر أخرجه النسائي وعن بريدة أخرجه أحمد وعن رجل من بني سلمة يقال له سليم من الصحابة أخرجه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يطيل الإمام الصلاة إلخ‏)‏ قال ابن عبد البر التخفيف لكل إمام مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال، وأما الحذف والنقصان فلا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نقر الغراب، ورأى رجلاً يصلي فلم يتم ركوعه فقال له أرجع فصل فإنك لم تصل، وقال لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده، ثم قال لا أعلم خلافاً بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أم قوماً على ما شرطنا من الإتمام وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لا تبغضوا الله إلى عباده، يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أخف الناس صلاة في تمام‏)‏ قال القاضي خفة الصلاة عبارة عن عدم تطويل قراءتها والاقتصار على قصار المفصل وعن ترك الدعوات الطويلة في الانتقالات وتمامها عبارة عن الإتيان بجميع الأركان والسنن واللبث راكعاً وساجداً بقدر ما يسبح ثلاثاً انتهى، قال القاري في المرقاة بعد نقل كلام القاضي هذا وفيه إيهام إنه ما كان يقرأ أوساط المفصل وطوالها‏.‏ وقد ثبت قراءته إياها فالمعنى بالخفة أنه ما كان يمططها ويمددها في غير مواضعها كما يفعله الأئمة المعظمة حتى في مكة المكرمة في زماننا فإنهم يمدون في المدات الطبيعية قدر ثلاث ألفات ويطولون السكتات في مواضع الوقوفات ويزيدون في عدد التسبيحات أنتظارا لفراغ المكبرين المطولين في النغمات، بل كانت قراءته عليه السلام مجودة محسنة مرتلة مبينة، من خاصية قراءته اللطيفة أنها كانت خفيفة على النفوس الشريفة ولو كانت طويلة لأن الأرواح لا تشبع منها والأشباح لا تقنع بها انتهى‏.‏

تنبيه‏:‏

قال صاحب العرف الشذي الحنفي‏:‏ ظهور التخفيف إنما يكون في القراءة لا في الركوع والسجود وتعديل الأركان ما هو معلوم من فعل صاحب الشريعة انتهى‏.‏ قلت لكن أكثر الحنفية يخالفون فعل صاحب الشريعة هذا فيخففون في الركوع والسجود غاية التخفيف حتى يكون سجودهم كنقر الديك وأما تعديل الأركان فلا يخففون فيه بل يتركونه رأساً فهداهم الله تعالى إلى فعل صاحب الشريعة الذي قال‏:‏ صلوا كما رأيتموني أصلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

175- باب مَا جَاءَ في تحريمِ الصلاةِ وتَحْلِيلهَا

236- حدثنا سُفْيَانُ بنُ وَكيعٍ حدثنا محمدُ بنُ الفُضَيلٍ عَن أبي سُفْيَانَ طريفِ السَعديّ عن أبي نضرة عن أبي سعيدٍ قَالَ‏:‏ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مفتَاحُ الصلاَةِ الطهورُ، وتَحْرِيمُهَا التّكبيرُ، وتحليلُهَا التسلِيمُ، ولا صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرأْ بالحمدِ وسُورةٍ في فَرِيضَةٍ أو غَيرِهَا‏"‏‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ عَلِي وَعائِشَة‏.‏ ‏(‏قال‏)‏ وحَدِيثُ علي ‏(‏بنِ أبي طَالبِ‏)‏ ‏(‏في هذا‏)‏ أجْودُ إسْنَاداً وأصحّ مِن حديثِ أبي سعيدٍ‏.‏ وقد كَتَبْنَاهُ ‏(‏خ‏)‏ أوّل كِتَابِ الوضُوءِ والعَملُ عَلَيْهِ عندَ أهلِ العلمِ من أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُم، وَبِهِ يقولُ سُفْيَانُ الثّورِيّ وابنُ المُبَارَكِ والشّافِعيّ وأحمدُ وإِسحَاقُ‏:‏ إنّ تَحرِيمَ الصلاَةِ التّكبيرُ، ولاَ يكون الرّجُلُ دَاخِلاً فِي الصلاَةِ إلا بالتّكبيرِ‏.‏

‏(‏قال أبو عيسى‏)‏‏:‏ و سمعتُ أبا بكرٍ محمدَ بنَ أبانٍ ‏(‏مستحلى وكيع‏)‏ يقولُ‏:‏ سمعتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بنَ مهدِيّ يقولُ‏:‏ لَوْ افتتح الرجُلُ الصلاةَ بِسبعِينَ اسماً مِنْ أسمَاءِ الله، ولم يكبّرْ لَمْ يُجْزِهِ، وإن أحدَثَ قبلَ أنْ يُسَلمَ أمرْتُهُ أنْ يَتَوَضّأ ثم يرجعَ إلى مَكَانِهِ فيُسَلّم إنمَا الأمرُ على وجْهِهِ‏.‏

‏(‏قال‏)‏ وأبو نضرة اسمه المنذرُ بنُ مَالِكِ بنِ قُطَعَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سفيان طريف السعدي‏)‏ هو طريف بن شهاب أو ابن سعد البصري الأشل ويقال له الأعصم ضعيف من السادسة كذا في التقريب وقال في الميزان ضعفه ابن معين، وقال أحمد‏:‏ ليس بشيء وقال البخاري‏:‏ ليس بالقوي عندهم وقال النسائي متروك ‏(‏عن أبي نضرة‏)‏ بنون مفتوحة ومعجمة ساكنة اسمه المنذر بن مالك بن قطعة بضم القاف وفتح المهملة العبدي العوفي البصري مشهور بكنيته ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏مفتاح الصلاة الطهور‏"‏ تقدم هذا الحديث مع شرحه في أبواب الطهارة رواه الترمذي هناك من حديث علي ورواه ههنا من حديث أبي سعيد ‏"‏ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة وغيرها‏"‏ فيه دلالة على أن قراءة سورة بعد الفاتحة واجبة لكن الحديث ضعيف ويعارضه ما رواه الدارقطني عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها منها بعوض وقال الحافظ في التلخيص‏:‏ وروى الحاكم من طريق أشهب عن ابن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة مرفوعاً‏:‏ أم القرآن عوض من غيرها وليس غيرها عوضاً منها، وله شواهد فساقها انتهى، وما في صحيح البخاري عن أبي هريرة يقول في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير، قال الحافظ في الفتح‏:‏ وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن ابن جريج كرواية الجماعة لكن زاد في آخره وسمعته يقول لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وظاهر سياقه أن ضمير سمعته للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعاً بخلاف رواية الجماعة‏.‏ نعم قوله ما أسمعنا وما أخفى عن يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون للجميع حكم الرفع انتهى وما رواه ابن خزيمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب ذكره الحافظ في الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن علي وعائشة‏)‏ أما حديث علي فتقدم في أبواب الطهارة، وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث علي بن أبي طالب أجود وأصح من حديث أبي سعيد‏)‏ لأن في سند حديث أبي سعيد طريف السعدي وهو ضعيف كما عرفت ‏(‏وقد كتبناه‏)‏ أي حديث علي ‏(‏أول‏)‏ بالبناء على الضم أي في أول الكتاب ‏(‏في كتاب الوضوء‏)‏ أي في باب ما جاء مفتاح الصلاة الطهور ‏(‏والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق‏:‏ إن تحريم الصلاة التكبير ولا يكون الرجل داخلاً في الصلاة إلا بالتكبير‏)‏ وهو قول الجمهور ووافقهم أبو يوسف، واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب ومن حجتهم حديث رفاعة في قصة المسيء صلاته أخرجه أبو داود بلفظ لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر، ورواه الطبراني بلفظ ثم يقول الله أكبر وحديث أبي حميد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ورفع يديه ثم يقول الله أكبر‏.‏ أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول الله أكبر، وروى البزار بإسناد صحيح عن علي على شرط مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال‏:‏ الله أكبر كذا في فتح الباري ‏(‏قال أبو عيسى سمعت أبا بكر محمد بن أبان‏)‏ ابن الوزير البلخي يلقب بحمدويه وكان مستملي وكيع ثقة حافظ من العاشرة، قال ابن حبان كان ممن جمع وصنف روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري والأربعة وخلق ‏(‏يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي‏)‏ البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه يقول‏:‏ لو افتتح الرجل الصلاة بتسعين اسماً من أسماء الله ولم يكبر لم يجزه يعني لفظ الله أكبر متعين لافتتاح الصلاة لا يكون الافتتاح إلا به فلو قال أحد الله أجل أو أعظم أو قال الرحمن أكبر مثلا لم يجزه ولم يصح الافتتاح به خلافاً للحنفية، والقول الراجح المنصور هو قول عبد الرحمن بن مهدي ‏(‏وإن أحدث قبل أن يسلم أمرته أن يتوضأ ثم يرجع إلى مكانه ويسلم‏)‏ لقوله صلى الله عليه وسلم تحليلها التسليم، فكما أن التكبير متعين للتحريم ولافتتاح الصلاة كذلك التسليم متعين للتحليل والخروج عن الصلاة ‏(‏إنما الأمر على وجهه‏)‏ قال أبو الطيب السندي وفي شرحه يعني قوله تحليلها التسليم لا يأول بل يحمل على ظاهره من أن السلام فرض لأنه لا يحل له ما حرم عليه في الصلاة إلا به فيما لم يخرج من الصلاة إلا به يكون فرضاً كما أن ما يدخل به فيها يكون فرضاً، وبه قال الإمام الشافعي وغيره، وقال علماؤنا يعني الحنفية‏:‏ إنه واجب دون فرض انتهى كلام السندي‏.‏

واعلم أن الإمام أبا حنيفة ومحمداً رحمهما الله قالا بجواز افتتاح الصلاة بكل ما دل على التعظيم الخالص غير المشوب بالدعاء، لأن التكبير هو التعظيم، قال الله تعالى ‏{‏وربك فكبر‏}‏ أي عظم وقال تعالى ‏{‏وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ وذكر اسمه أعم من أن يكون باسم الله أو باسم الرحمن أو غير ذلك مما يدل على التعظيم، غاية ما في الباب أن يكون اللفظ المنقول سنة مؤكدة لا أنه الشرط دون غيره كذا ذكره الحنفية، وأجابوا عن حديث الباب بأن العبرة للمعاني لا للألفاظ فليس معنى الحديث تحريمها لفظ التكبير بل معناه تحريمها ما يدل على التعظيم‏.‏

قلت‏:‏ الحق في هذا الباب هو ما ذهب إليه الجمهور من أن تحريم التكبير ولا يكن الرجل داخلاً في الصلاة إلا بالتكبير كما عرفت، وأما قوله تعالى ‏{‏وربك فكبر‏}‏ فلا نسلم أن المراد بالتكبير في هذه الاَية تكبير الافتتاح فإنها مكية نزلت قبل قصة الاسراء التي فرضت الصلاة فيها فكيف يكون المراد بالتكبير فيها تكبير الافتتاح‏.‏ وأما القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد ويصلي تطوعاً في جبل حراء وغيره قبل أن تفرض عليه الصلاة فلا بأس بأن يراد بالتكبير في هذه الاَية تكبير الافتتاح، ففيه أنه لا يتعين على هذا التقدير أيضاً أن يراد بالتكبير تكبير الإفتتاح كما لا يخفني على المتأمل، ولو سلم أنه المتعين فالمراد به خصوص لفظ التكبير لأحاديث الباب ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم افتتاح الصلاة بغير لفظ التكبير البتة، ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأما قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى فلا نسلم فيه أيضاً أن المراد بذكر اسم ربه تكبير الافتتاح، لم لا يجوز أن يكون المراد بالذكر تكبير التشريق وبالصلاة صلاة العيد، وبقوله تزكى زكاة الفطر كما رواه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وابن مردويه والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنها وابن عمر وغيرهما، وعلى هذا فلا تكون الاَية ما نحن فيه‏.‏

وأما جوابهم عن حديث الباب بأن العبرة للمعاني لا للألفاظ، ففيه أن الأصل في الأذكار والأدعية لا سيما أذكار الصلاة وأدعيتها هو التوقيف‏.‏

فالحاصل‏:‏ أن مذهب الجمهور هو الحق والصواب، وأما قول الحنفية فلا دليل عليه قال الحافظ بن القيم في إعلام الموقعين ص462 ج1 المثال الخامس عشر رد المحكم الصريح من تعيين التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر وقوله تحريمها التكبير وقوله لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر، وهي نصوص في غاية الصحة فردت بالتشابه من قوله وذكر اسم ربه فصلى انتهى‏.‏

176- باب ‏(‏ما جاء‏)‏ في نشر الأصابِع عندَ التكبير

237- حدثنا قُتَيْبَةُ و أبو سعِيدٍ الأشَجّ قَالاَ‏:‏ حدثنا يَحْيَى بنُ اليَمَانٍ عن ابن أبي ذِئبٍ عن سعِيد بنِ سَمعَانَ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قال‏:‏ ‏"‏كَان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا كبّرَ للصّلاَةِ نَشَرَ أصابِعَهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حديثُ أَبِي هريرة ‏(‏حسن‏)‏ ‏(‏و‏)‏ قد روى غيرُ واحدٍ هذا الحديث عن ابنِ أبي ذِئبٍ عن سعِيدِ بنِ سمعَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا دَخَلَ فِي الصّلاَةِ رَفَعَ يدَيْهِ مَدّا‏"‏‏.‏

وهذا أصحّ من رواية يحيى بن اليمانِ، وأخطأ ابنُ اليمان فِي هَذَا الحَديثِ‏.‏

238- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ أخبرنا عبيدُ الله بنُ عَبدِ المَجِيدِ الحَنَفِيّ حدثنا ابن أبي ذئبٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ سَمْعَانَ قال سمعتُ أبَا هريرَةَ يقولُ‏:‏ ‏"‏كَان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاةِ رَفعَ يديْه مَدّا‏"‏‏.‏

قال ‏(‏أبو عيسى‏:‏ قال‏)‏ عبدُ الله ‏(‏بن عبدالرحمن‏)‏‏:‏ وهذا أصحّ من حديثِ يحيى بنِ اليمان وحديثُ يحيى بنِ اليمان خطأٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نا يحيى بن يمان‏)‏ العجلي الكوفي صدوق عابد يخطئ كثيراً وقد تغير من كبار التاسعة كذا في التقريب، وقال في الخلاصة قال أحمد ليس بحجة وقال ابن المديني صدوق تغير حفظه، وقال يعقوب بن شيبة صدوق أنكروا عليه كثرة الغلط ‏(‏عن ابن أبي ذئب‏)‏ هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري المدني ثقة فقيه فاضل من السابعة كذا في التقريب، قال في الخلاصة قال أحمد يشبه بابن المسيب وهو أصلح وأروع وأقوم بالحق من مالك، ولما حج المهدي دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له المسيب بن زهير قم هذا أمير المؤمنين، فقال ابن أبي ذئب إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي دعه فلقد قامت كل شعرة في رأسي، قال أبو نعيم مات سنة 159 تسع وخمسين ومائة ‏(‏عن سعيد بن سمعان‏)‏ بكسر السين وفتحها وسكون الميم، قال الحافظ ثقة ولم يصب الأزدي في تضعيفه من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا كبر للصلاة نشر أصابعه‏)‏ أي بسطها قاله السيوطي يعني أن المراد بالنشر ضد القبض وقال أبو الطيب السندي أو المراد خلاف الضم أي تركها على حالها ولم يضم بعضها إلى بعض انتهى، وفي السعاية شرح شرح الوقاية لبعض العلماء الحنفية قوله غير مفرج أصابعه ولا ضام أي لا يتكلف في تفريج الأصابع عند رفع اليدين ولا في ضمها بل يتركها عند الرفع كما كانت قبله واختار بعضهم استحباب التفريج مستدلين بما رواه ابن حبان من طريق يحيى بن يمان عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشر أصابعه في الصلاة نشراً والجمهور على خلافه ولم يعتبروا بالرواية المذكورة لقول الترمذي في جامعه بعد رواية الحديث ثم ذكر قول الترمذي حديث أبي هريرة قد رواه غير واحد إلخ‏.‏

قلت‏:‏ والظاهر الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور فإن حديث الباب باللفظ المذكور غير محفوظ قد أخطأ فيه ابن يمان كما صرح به الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو أصح من رواية يحيى بن اليمان وأخطأ ابن يمان في هذا الحديث‏)‏ المراد بقوله أصح الصحيح يعني أن رواية من روى بلفظ كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مداً صحيحة ورواية يحيى بن اليمان المذكورة فإنها غير صحيحة بل هي خطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن روى عن يزيد بن هارون ويعلى بن عبيد وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي وغيرهم وعنه مسلم وأبو داود والترمذي والبخاري في غير الصحيح ‏(‏أنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي‏)‏ أبو علي البصري صدوق لم يثبت أن يحيى بن سعيد ضعفه كذا في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رفع يديه مداً‏)‏ قال ابن سيد عباس يجوز أن يكون مداً مصدراً مختصاً كقعد القرفصاء أو مصدراً من المعنى، كقعدت جلوساً أو حالاً من رفع انتهى‏.‏

قلت‏:‏ وإذا كان حالاً يكون بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول أي رفع ماداً يديه أو رفع يديه ممدودتين، وقال الشوكاني في النيل يجوز أن يكون منتصباً على المصدرية بفعل مقدر وهو يمدهما مداً ويجوز أن يكون منتصباً على الحالية، أي رفع يديه في حال كونه مادا لهما إلى رأسه، ويجوز أن يكون مصدراً منتصباً بقوله رفع لأن الرفع بمعنى المد وأصل المد في اللغة الجر قاله الراغب والارتفاع ومد النهار ارتفاعه وله معان أخر ذكره صاحب القاموس وغيره وقد فسر ابن عبد البر المد المذكور في الحديث بمد اليدين فوق الأذنين مع الرأس انتهى ما في النيل‏.‏

قلت‏:‏ لم يبين في هذا الحديث غاية المد، فهو مجمل فيها، فلا بد من أن يحمل على الأحاديث التي بينت فيها غايته هذا ما عندي والله تعالى أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عبد الله‏)‏ أي ابن عبد الرحمن الدارمي ‏(‏وهذا أصح من حديث يحيى بن يمان‏)‏ تقدم توضيحه‏.‏ وهذا الحديث أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه قاله في المنتقى وقال الشوكاني في النيل‏:‏ لا مطعن في إسناده ‏(‏وحديث يحيى بن يمان خطأ‏)‏ قال ابن أبي حاتم قال أبي وهم يحيى، إنما أراد‏:‏ كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مداً كذا رواه الثقات من أصحاب ابن أبي ذئب انتهى‏.‏

177- باب ‏(‏ما جاء‏)‏ في فضل التكبيرة الأولى

239- حَدّثَنَا عُقْبَةُ بنُ مُكْرَمٍ‏.‏ وَنَصْرُ بنُ عِلي ‏(‏الجهضميّ‏)‏ قالاَ‏:‏ حَدّثَنَا ‏(‏أبو قتيبة‏)‏ سلمُ بن قُتَيْبَةَ عَنْ طُعْمَةَ بنِ عَمرٍو عن حبيبِ بنِ أبي ثابتٍ عن أنسٍ بنِ مالكٍ قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من صلى لله أربعين يوماً في جماعةٍ يدرك التكبيرةَ الأُولى كتبت لهُ براءَتَان‏:‏ بَراءَةٌ مِنْ النّارِ، وبراءَةٌ مِنَ النّفَاقِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وقد رُوِيَ هذا الحديثُ عن أنسٍ موقوفاً ولا أعلمُ أحداً رفعَهُ إلاّ مَا رَوَى سَلمُ بنُ قُتَيْبَةَ عَنْ طُعْمَةَ بنِ عَمرٍو ‏(‏عن حبيب بن أبي ثابت‏)‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ وإنما يُرْوَى هذا ‏(‏الحديث‏)‏ عن حبيب بن أبي حبيبٍ البَجَلِيّ عَنْ أنسٍ ‏(‏بنِ مَالِكٍ‏)‏ قولهُ‏.‏ حَدّثَنَا ‏(‏بذلك‏)‏ هَنّاد حدثنا وكيعٌ عَنْ خَالِد بن طَهْمَانَ عَنْ حبيبِ بنِ أبي حبيبٍ البَجَليّ عن أنسٍ نحوه ‏(‏ولم يرفعهُ‏)‏ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُمَارَةَ بنِ غَزِيّةَ عن أنسِ ‏(‏بنِ مالكٍ‏)‏ ‏(‏عن عُمرَ بنِ الخطّابِ‏)‏ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوَ هذا‏.‏ وهذا حديثٌ غيرُ مَحْفوظٍ، وهو حديثٌ مرسلٌ‏.‏

وعُمَارَةُ بنُ غَزِيّةَ لَمْ يُدْرِكْ أنسَ بنَ مَالِكٍ‏.‏

‏(‏قال محمد بن اسماعيل‏:‏ حبيب بن ابي حبيب يكن ‏"‏أبا الكشواتي‏"‏ ويثال‏:‏ ‏"‏أبو عميرة‏"‏‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عقبة بن مكرم‏)‏ بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء العمي البصري الحافظ روى عن يحيى القطان وغندر وابن مهدي وخلق وعنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه قال أبو داود‏:‏ ثقة ثقة‏.‏

تنبيه‏:‏

قد وقع في النسخة الأحمدية عتبة بن مكرم بالعين والمثناة الفوقانية وهو غلط والصحيح بالعين والقاف ‏(‏قالا نا سلم بن قتيبة‏)‏ بفتح السين وسكون اللام الشعيري الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة ‏(‏عن طعمة بن عمرو‏)‏ بضم الطاء المهملة وسكون العين الجعفري وثقه ابن معين‏.‏

قوله‏:‏ ‏"‏من صلى لله‏"‏ أي خالصاً لله ‏"‏أربعين يوماً‏"‏ أي وليلة ‏"‏في جماعة‏"‏ متعلق يصلى ‏"‏يدرك التكبيرة الأولى‏"‏ جملة حالية وظاهرها التكبيرة التحريمية مع الإمام ويحتمل أن تشمل التكبيرة التحريمية للمقتدي عند لحوق الركوع فيكون المراد إدراك‏.‏ الصلاة بكمالها مع الجماعة وهو يتم بإدراك الركعة الأولى كذا قال القارئ في المرقاة‏.‏

قلت‏:‏ هذا الاحتمال بعيد، والظاهر الراجح هو الأول كما يدل عليه رواية أبي الدرداء مرفوعاً ‏"‏لكل شيء أنف، وإن أنف الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة ‏(‏براءة من النار‏)‏ أي خلاص ونجاة منها‏.‏ يقال برأ من الدين والعيب خلص ‏(‏وبراءة من النفاق‏)‏ قال الطيبي أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ويوفقه لعمل أهل الإخلاص وفي الاَخرة يؤمنه مما يعذبه المنافق، ويشهد له بأنه غير منافق يعني بأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى وحال هذا بخلافهم كذا في المرقاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد روى هذا الحديث عن أنس موقوفاً‏)‏ قال القاري‏:‏ ومثل هذا ما يقال من قبل الرأي فموقوفه في حكم المرفوع‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ رواه الترمذي بسند منقطع ومع ذلك يعمل به في فضائل الأعمال‏.‏ وروى البزار وأبو داود خبر‏:‏ لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها‏.‏ ومن ثم كان إدراكها سنة مؤكدة، وكان السلف إذا فاتتهم عزوا أنفسهم ثلاثة أيام، وإذا فاتتهم الجماعة عزوا أنفسهم سبعة أيام ‏(‏وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي‏)‏ بموحدة وجيم أبي عمرو والبصري نزيل الكوفة مقبول من الرابعة وقيل يكنى أبا كشوثا بفتح الكاف بعدها معجمة مضمومة ثم واو ساكنة ثم مثلثة كذا في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب‏:‏ روى عن أنس بن مالك وعنه خالد بن طهمان أبو العلاء الخفاف وطعمة بن عمرو الجعفري، روى له الترمذي حديثاً واحداً في فضل من صلى أربعين يوماً في جماعة موقوفاً ذكره ابن حبان في الثقات انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن عمارة‏)‏ بضم العين المهملة ‏(‏بن غزية‏)‏ بفتح العين المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة ابن الحارث الأنصاري المازني المدني لا بأس به، وروايته عن أنس مرسلة كذا في التقريب‏.‏ وقال في الخلاصة وثقه أحمد وأبو زرعة مات سنة 140 أربعين ومائة ‏(‏عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا‏)‏ أخرجه ابن ماجه‏.‏ ولفظه أنه كان يقول‏:‏ ‏"‏من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عنقاً من النار‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو حديث مرسل‏)‏ أي منقطع‏.‏ قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث أنس المذكور في الباب‏:‏ رواه الترمذي من حديث أنس وضعفه، ورواه البزار واستغربه وروى عن أنس عن عمر، رواه ابن ماجه، وأشار إليه الترمذي، وهو في سنن سعيد بن منصور عنه، وهو ضعيف أيضاً مداره على إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في غير الشاميين، وهذا من روايته عن مدني، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل وضعفه وذكر أن قيس بن الربيع وغيره روياه عن أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت قال وهو وهم، وإنما هو حبيب الإسكاف، وله طريق أخرى أوردها ابن الجوزي في العلل من حديث بكر بن أحمد بن محمى الواسطي عن يعقوب بن تحية عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس رفعه ‏"‏من صلى أربعين يوماً في جماعة صلاة الفجر وصلاة العشاء كتب له براءة من النار وبراءة من النفاق‏"‏ وقال‏:‏ بكر ويعقوب مجهولان انتهى‏.‏ قال الرافعي ووردت أخبار في إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام نحو هذا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ منها ما رواه الطبراني في الكبير، والعقيلي في الضعفاء، والحاكم أبو أحمد في الكنى من حديث أبي كاهل بلفظ المصنف وزاد ‏"‏يدرك التكبيرة الأولى‏"‏ قال العقيلي‏:‏ إسناده مجهول‏.‏ وقال أبو أحمد والحاكم ليس إسناده بالمعتمد عليه‏.‏ وروى العقيلي في الضعفاء أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً ‏"‏لكل شيء صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى‏"‏ وقد رواه البزار ولبس فيه إلا الحسن بن السكن، لكن قال لم يكن الفلاس يرضاه ولأبي نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن أوفى مثله، وفيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف وروى ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أبي الدرداء رفعه ‏"‏لكل شيء أنف وإن أنف الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها‏"‏ وفي إسناده مجهول، والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى كثيرة‏.‏ وفي الطبراني عن رجل من طيء عن أبيه أن ابن مسعود خرج إلى المسجد فجعل يهرول فقيل له‏:‏ أتفعل هذا وأنت تنهي عنه‏؟‏ قال‏:‏ إنما أردت حد الصلاة التكبيرة الألى انتهى ما في التلخيص‏.‏